الصفحة الأساسية > عربية > الطريق الإجتماعي > الإصلاح السياسي ضرورة اقتصادية!!

جملة اعتراضية:

الإصلاح السياسي ضرورة اقتصادية!!

الاثنين 1 شباط (فبراير) 2010

بقلم أحمد إبراهيم

رأينا في هذا الركن من العدد الماضي كيف يسود لدى الرأي العام انطباع في عديد البلدان العربية والأفريقية وغيرها بأن اقتصادها يعتمد على "المْعارف" ? أي على القرب من الماسكين بالسلطة - أكثر من اعتماده على "المَعارف" بفتح الميم أو على مقومات الحكم الرشيد.

وننطلق اليوم من آخر تقرير للبنك الدولي حول دور الاستثمار الخاص في دفع التنمية وربح رهان التشغيل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهو تقرير نشر في نوفمبر الماضي تحت عنوان "من الامتيازات إلى المنافسة" للفت النظر إلى نقاط الضعف ومواطن الخلل في مناخ الأعمال - الذي يتسم بغياب الثقة الذي ينجر عنه ركود متواصل للاستثمار في القطاع الخاص ونقص في تنوع المنتجات المصدرة بالمقارنة مع الحيوية التي يشهدها هذان المجالان في بلدان مثل الصين أوكوريا الجنوبية أو تركيا.

يتبين من قراءة هذا التقرير أن الإشكالية ليست في نقص الإجراءات القانونية والإصلاحات التي لا تقل إجمالا عما هو متوفر في الاقتصادات الناجحة، بل في الطريقة التي تطبق بها تلك الإصلاحات والمحيط الذي تتنزل فيه، حيث يسود انعدام الشفافية وانعدام المساواة في معاملة المستثمرين كما تؤثر فيها سلبا مظاهر الاعتباطية والفساد والمحاباة والمحسوبية في توفير التسهيلات ومنح الامتيازات المالية وآليات الاحتكار وعدم التقيد بشروط المنافسة لفئات معينة من المستثمرين على حساب غيرهم على أساس مدى القرب والبعد من الماسكين بالقرار الذين لا يخضعون للمساءلة والمحاسبة في غياب الصحافة الحرة والمؤسسات التي لها قدر من الاستقلالية يؤهلها للحد من السلطة التقديرية للحكام وردع أو مقاومة تجاوزاتهم، وفي غياب إمكانيات التنظم والتحرك المستقل لمكونات المجتمع المدني عامة والنقابات الممثلة للمستثمرين وللقطاع الخاص ككل تمثيلا حقيقيا.

ولئن كان محررو التقرير يقرون ضمنيا بضرورة الديمقراطية بما تعنيه من حريات فردية وعامة وتعددية سياسية وقضاء مستقل وغير ذلك، فإنهم قد اختاروا تمشيا "واقعيا" جعلهم يميزون ?بصفة ضمنية أيضا - بين نوعين من النظم اللاديمقراطية طبقا لمقولة أنك حتى "في الهم عندك ما تختار" إن صح التعبير!!!

ففي ظل النظم الديمقراطية المتينة توجد آليات للمراقبة وضمان التوازن ومجالات السلطة المضادة ? من أهمها الانتخابات الحرة والفصل بين السلطات ? مما يحول ولو بصفة غير كاملة دون توظيف مؤسسات الدولة من قبل المسؤولين السياسيين لخدمة قلة من المصالح الخاصة.

أما في الديمقراطيات الأقل نضجا أو في النظم التسلطية واللاديمقراطية، فإن ضمان الحد الأدنى من الموانع ضد منزلق التدخلات وتوظيف سلطة الدولة لخدمة مصالح أشخاص أو مجموعات معينة لا يبدو أمرا مستحيلا، بدليل وجود أنماط من المأسسسة في عدد من بلدان شرق آسيا ذات الاقتصاد الناجح مثل الصين وكوريا وسنغفورة، وهي أنماط سمحت بإرساء مناخ مؤات للأعمال والمشاريع الاستثمارية يكفل (حتى في ظل نظام الحزب الواحد تنظيم الإدارة أو القيادة المفرطة في التمركز) تنظيم الإدارة العمومية على أساس الكفاءة والشفافية والحياد، وبالتالي يعامل جميع المعنيين على قدم المساواة ويحميهم من الاعتباطية ويشركهم في رسم استراتيجية التنمية ويضمن لهم الثقة في المستقبل.

وخلافا لهذا الصنف من النظم غير الديمقراطية، فإن أنماط تسيير الشأن العام السائدة في أغلب بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ليست فقط أنماطا في مجملها فاقدة لمقومات الحكم الرشيد بل هي تفتقر إلى الحد الأدنى من المأسسة في مراكز اتخاذ القرار وفي علاقتها مع الفاعلين الاقتصاديين على أساس قواعد واضحة وشفافة ملزمة للجميع مهما كان قربهم أو بعدهم من السلطة.

إن ما يستنتج من كل ذلك ومن الأمثلة الكثيرة التي يوردها تقرير البنك الدولي هو أن النجاح في كسب رهان التنمية الاقتصادية وتوفير التشغيل رهين إدخال إصلاحات سياسية جوهرية تحد من السلطة المطلقة والاستفراد بالرأي والقرار وتؤمن آليات المحاسبة والمساءلة وتضع المصلحة العامة فوق المصالح الخاصة وتحرر مبادرة الطاقات المنتجة والقوى الحية من شتى المكبلات.

إنها ضرورة ملحة لكل بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وضرورة ملحة لتونس وشعب تونس.