الصفحة الأساسية > عربي > مـنبـر اﻵراء > رقصة الديك المذبوح أو الهروب إلى الأمام؟ ماهي المهام المرحلية العاجلة المطروحة على (...)
رقصة الديك المذبوح أو الهروب إلى الأمام؟ ماهي المهام المرحلية العاجلة المطروحة على القوى الديمقراطية؟
الاثنين 7 شباط (فبراير) 2011
عبد الحفيظ السمعلي (ناشط نقابي وحقوقي)
أرى أن على القوى الديمقراطية مهمتين عاجلتين أساسيتين:
المهمة الأولى
هي مهمة ملحة تتمثل في التوحد للمطالبة بحل التجمع الدستوري "اللاديمقراطي" كحزب والمطالبة بمحاكمة رموزه أمثال الغرياني وغيرهم والمتورطين في آلام الشعب التونسي قبل وبعد 14 جانفي 2011. هذا الحزب الذي زور إرادة الشعب على امتداد أكثر من نصف قرن ( التجمع هو امتداد لحزب الدستور) ولم يعترف بإرادة الشعب يوم 14 جانفي. مليشيات هذا الحزب ما تزال متغلغلة في نخاع هياكل الدولة والمجتمع تحرك جيشا من المليشيات "خلائق" ومرتزقة. هذا الحزب مازال يحتفظ بقدرات مالية وبشرية قادرة على تحريك هؤلاء المرتزقة في تونس العاصمة وفي الجهات. إن الهجمات المتتالية التي تشنها على دور الاتحاد العام التونسي للشغل في قابس والكاف هذه الأيام الأخيرة ما هي إلا محاولات للنيل من هياكل اتحادنا التي لعبت الدور الأساسي في تحريك وتأطير نضالات شعبنا في غياب معارضة فاعلة ومنظمة وجمعيات المجتمع المدني. ثورتنا هي ثورة شعبية بأتم معنى الكلمة بلا رأس أو قيادة ( بدأت تتشكل ملامحها ) . شارع متمرد يغلي غير منظم كسفينة تتجاذبها الرياح لا ربان فيها قادر على إيصالها إلى شاطئ الأمان. شارع مخترق من قبل مجموعات مشبوهة تركب الشعارات وإلا بماذا نفسر ما حدث في مسيرة النساء الديمقراطيات يوم السبت 29 جانفي 2011 ووجود مجموعات منفلتة ترفع علنا شعارات متخلفة جدا حدا، مثل: "كوجينا كوجينا" أو "خبز وماء وأربع نساء" وتتدخل في حلقات النقاش في شارع الحبيب بورقيبة معادية لمطالب النساء الديمقراطيات في المساواة. هل عاد الشعب التونسي إلى حقبة ما قبل الطاهر الحداد؟ تعمل هذه العناصر المشبوهة والتي لا يمكن أن تكون سوى مليشيات التجمع "خلائق" تبث الفوضى وتخرم الأمن في الأوساط الشعبية في وضح النهار، في الأحياء وعلى طول الطرقات وفيالأرياف... إنها عملية خلط الأوراق... إن التجمع الدستوري اللاديمقراطي مازال يحتفظ بقدرات مادية قد تمكنه من الانقضاض على ثورتنا وإجهاضها،أما بالنسبة الى التجمعيين "الشرفاء" إن وجدوا فما عليهم إلا أن يسارعوا بتأسيس أحزاب جديدة تحت مسميات أخرى لأننا مازلنا نعتبر أن تونس لكل التونسيين.
المهمة الثانية
تتمثل في الاهتمام باللجان الثلاث التي تشكلت: اللجنة السياسية التي يرأسها الأستاذ عياض بن عاشور ولجنة تقصي الحقائق في مسائل الرشوة والفساد التي يرأسها الحقوقي عبد الفتاح عمر ولجنة التحقيق التي يرأسها السيد توفيق بو دربالة.
ومن المهام الملحة هي معرفة هل ان هذه اللجان هي لجان مستقلة فعلا كما يروج لها أم لا؟ ثم وفق أي اعتبارات وقع اختيار أعضائها.
فبالنسبة الى اللجنة السياسية التي يرأسها أستاذ القانون الدستوري عياض بن عاشور عليها أن تجيب عن تساؤلات عديدة : هل يقتصر عملها على اعتماد دستور1959 وتنقيح بعض فصوله، أم ستأخذه كمسودة لاعداد دستور جديد تستلهم فصوله من الدساتير الأخرى كما اعتمد المجلس التأسيسي الذي اعد دستور 1959؟
ماهي المبادئ التي سيتم اعتمادها لتنقيح الدستور أو إعداد الدستور الجديد؟
من سيصادق على هذه التنقيحات أو على هذا الدستور الجديد، مجلس النواب الحالي
أو استفتاء تشرف عليه لجنة مستقلة؟
أرى أن هذه المسائل تتطلب حوارا وطنيا يشارك فيه جميع التونسيين من أحزاب ومنظمات المجتمع المدني.
اللجنة الثانية: لجنة تقصي الحقائق في مسائل الرشوة والفساد التي يرأسها السيد عبد الفتاح عمر، أيعقل أن يكون مثلا للمحامي عماد بالخامسة موطأ قدم فيها، بل حتى نصف أو حتى ربع قدم؟ فـ"عماد بالخامسة هو الكاتب العام لفريق الترجي الرياضي التونسي، تجمعي حد النخاع ومعروف لدى عموم المحامين. وهو محامي الطرابلسية في كل ملفاتهم وكذلك صخر الماطري. فهل يعقل أن يكون هذا المحامي محققا في استقصاء حقائق الفساد والرشوة؟ هل قدم هذا المحامي راجلا أم هبط بمظلة من المريخ؟ ألا ينطبق على هذه اللجنة المثل التونسي "من المرسى بدينا نقدفو"؟ وما ينسحب على اللجنة السياسية ينسحب على لجنة تقصي الحقائق، و يجب على السيد عبد الفتاح عمر أن يجيبنا على الأسئلة التالية:
هل تتمتع هذه اللجنة فعليا بالاستقلالية؟
هل هي قادرة على الوصول إلى الملفات الخطيرة والحساسة: ملفات لا تدين رموز النظام البائد فحسب، بل النظام برمته من أعلى هرم السلطة إلى أسفله، من بن علي الذي استفحل الفساد في عهده والذي جعل من "فيفتي فيفتي" قاعدة حكمه بمشاركة رموز الفساد من عائلته،) عائلة بن علي والطرابلسية وزروق والمبروك و و و و...(.عائلات اخترقت مؤسسات الدولة واستغلت النفوذ للثراء الفاحش وغير المشروع؟ مهمة عسيرة تنتظر هذه اللجنة، لأن أمامها شبكة عنكبوتيه معقدة يتطلب تفكيك آلياتها سنين طوال.
إن مواصلة رفع شعار "إسقاط الحكومة"هو بمثابة "رقصة الديك المذبوح" والهروب إلى الأمام.. فهل بإمكان القوى الديمقراطية، بمختلف أطيافها، تعبئة الشارع مثلما فعلت يوم الجمعة 14 جانفي 2011 أمام وزارة الداخلية أو أمام مقر التجمع الدستوري اللاديمقراطي أو كما وقع في مختلف الجهات وخاصة في صفاقس بمناسبة الاضرابات الجهوية الذي دعت لها الاتحادات الجهوية للشغل أو أمام مقر الحكومة بالقصبة يوم الأحد 23 جانفي 2011 حيث نزل الشعب بمختلف أطيافه و فئاته واحتل الشارع من أجل تحقيق السقف العالي من المطالب التي وضعها الاتحاد والقوىالديمقراطية؟؟
تحت ضغط هذا الشارع والقوى الديمقراطية المتحالفة معه أجبر الغنوشي ومن وراءه على تقديم التنازل تلو التنازل، إلى درجة لم يعد بعدها قادرا على تقديم التنازل، وهو ما يدل على أن الاتحاد قد وفق في إدارة المفاوضات في الكواليس. تحركت المؤسسة العسكرية، وكان ما كان، وقبلت الهيئة الإدارية الوطنية للاتحاد العام التونسي للشغل المنعقدة يوم الجمعة 27 ديسمبر 2011 بالتشكيلة الحكومية الجديدة بعد مخاض عسير.
وبعد قبول الاتحاد بهذه الطبخة أصبحت جل التحركات الميدانية، تحركات توعية، سايرتها جماهير معسكرة، لا الجماهير الواسعة. فالجماهير الواسعة أرهقها اللهث وانعدام الأمن وعدم وضوح الرؤية والأفق. لم تلق إجابة على أسئلة مشروعة مثلما في التحركات السابقة.. مثل من هو رئيس الوزراء البديل ووزراء الوزارات السيادية، كالمالية والاقتصاد خاصة؟ جماهيرنا تربت على ثقافة الاستهلاك عقودا. وخطاب ساسة الشارع لم يقنعها رغم وجاهته.
إن ثورة 14 جانفي 2011 جعلت التونسي يقطع مع عصر الرعية ليدخل عصر المواطنة. وبفضل الثورة المعلوماتية (لانترنت والفايسبوك) تحولت الفئات الشبابية من مستهلكة إلى منتجة. ومن مستهلكة للمسلسلات التلفزية والصحافة الرخيصة إلى منتج ومستهلك للمعلومة والخبر في فضاء افتراضي رحب. وبفضل هذه الثورة المعلوماتية تكسرت حواجز التواصل بين الجماهير الشبابية المثقفة وغير المثقفة.. وحتى عمار "404" لم يصمد أمام إبداعات شبابنا الذين نقلوا الكلمة والصورة في عالم افتراضي رحب وفي عالم أصبح قرية صغيرة.
عبد الحفيظ السمعلي (ناشط نقابي وحقوقي)
30 جانفي 2011
.